«مستشفى كرى العام»، ذاكرة الضوء ومعبر الأمل

16 سبتمبر 2025Last Update :
«مستشفى كرى العام»، ذاكرة الضوء ومعبر الأمل

محمد نبراس العميسي

 

من كلية الطب بجامعة إقليم سبأ، ومن معهد المعالي للعلوم الصحية، ومن المعهد العالي للعلوم الصحية، ومن معهد سبأ للعلوم الصحية، ومن كلية صرح مأرب، يتوافد الطلاب إلى مستشفى كرى العام، يحملون دفاترهم البيضاء وأحلامهم الأولى، ويقدمون إلى أروقته بهدف التطبيق العملي والتدريب الميداني. يأتون لا ليجرّبوا أدواتهم الطبية وحسب، بل ليختبروا نبض الحياة عن قرب، وليدركوا أن كل خطوة بين الجناح والعيادة درس أعمق من أي محاضرة، وأن المستشفى ليس قاعة للعلم وحدها، بل مختبر للإنسانية حيث تنصهر المعرفة بالرحمة في بوتقة واحدة.

 

يبدو مستشفى كرى العام للوهلة الأولى كأنه مجرد مبنى طبي شاهق، أبيض الجدران، مكتظ بالوجوه العابرة. لكنّ من يقترب أكثر، يدرك أنه ليس جداراً للشفاء فحسب، بل مساحة يلتقي فيها الإنسان بضعفه، وينهض بصلابته من جديد. هنا تتكثف حكايات الألم وتنبعث منها بذور الرجاء، وهنا يتعلم طالب الطب أنّ المهنة ليست وصفة علاج، بل صيرورة إنسانية عميقة، تصوغ روحه قبل أن تصوغ علمه.

 

في أروقة هذا المكان يتدفق صوت الحياة في أدقّ تفاصيله: مريض ينتظر بقلق، وطالب يرتدي المعطف الأبيض يتلمّس خطواته الأولى نحو معرفةٍ مغمّسة بالتجربة والعرق. كأن المستشفى يفتح ذراعيه لا ليستقبل الأوجاع وحسب، بل ليصنع منها دروساً في الصبر والرحمة، ويمنح للطب معنى يتجاوز حدود الجسد إلى عمق الروح.

 

لقد صار مستشفى كرى العام واحداً من أبرز المحاضن العلمية التي تحتضن طلاب الطب والمعاهد الصحية في محافظة مأرب، يفتح لهم أبواب الممارسة الميدانية ليكتشفوا الجانب الأكثر صدقاً في علومهم: الإنسان وهو في أضعف حالاته. هناك، بين الأسرة والأجهزة، يفهم الطالب أنّ العلم بلا رحمة مجرد آلة باردة، وأن الرحمة بلا علم عجز لا ينقذ أحداً. في تلك المسافة الحرجة، يتشكل معنى الطب بوصفه رسالة، ويكتشف الشباب أن الدخول إلى عالم الشفاء ليس مهنة عابرة، بل عبور إلى معنى الحياة ذاته.

وهكذا، لا يكون المستشفى مجرد جغرافيا للعلاج، بل فضاءً يعيد صياغة الإنسان في لحظة ضعفه، ويمنح الوجع نكهة كاشفة، تجعلنا ندرك أنّ العافية ليست جسداً خالياً من المرض، بل قلباً ممتلئاً بالقدرة على مشاركة الآخرين وجعهم.

Breaking News