كتب: مصطفى ناجي الجيزي
يُعرّف جبالنا الشامخة، المكسوة بالغمام والندى، بأنها ملتقى الأبهة والتاريخ العريق. ففي قمتها، تتربّع “سُداد”، تلك النقطة التي يحتفظ فيها الماء بمكانته، حيث حفر الأجداد في أعاليه مَجالاً صخرياً لحفظ النعمة الأسمى. فالماء، هنا، ليس فقط مصدر حياة، بل هو سيد الجبل وسِنامه، رمز الثبات والاستمرارية.
وفي صورة من تلك الصور التي تعود بنا إلى التراث، تظهر “حُجر الجبزية”، حيث يختبئ وسطها “الحَيجَنة”؛ تلك الأحجار التي تُعدّ بمثابة barومتر للسقاء، ومقياسًا لمدى تدفق السيل، وبشرة الشارع الرابط بين الرواء والطهر.
تأتي الأمطار في موسمين من السنة، بين “الهثيم” و”الأمزان”، وتصل في أحيان كثيرة إلى سيل مكرٍّ يملأ قلب الوادي، معلنًا نذير الخير والبركة. وللمطر، في المنطقة، طقوسٌ خاصة؛ فقبل أن تلامس قطراته الأرض، يسبقها قيظٌ حارق يُشعل الأذهان، تليها سحابةٌ داكنةٌ حبلى بماء السماء، تقترب من الغرب، مُحدثةً زوابع وهبوب، وترتفع مناشدات الأهل من كل صوب، مع تتابع مهام النساء في جمع الحطب، وتوفير مستلزمات البيت، واحتواء البهائم.
وبعد ظهر كل عاصفة، يتردد زجر الرعد في الأفق البعيد، وتبدأ رحلة الانتظار، حيث يتعلق القلب بالسماء، وتُراقب العيون النوافذ، علّها تؤول إلى الخير. وإذا ما حدث ونزل المطر بغزارة، فحينها، يُرفع مؤشر السعادة، ويعمّ الفرح، فـ”الحَيجَنة” تُعبّر عن تدفق المياه، وكأنها شلالات تفرح الجميع، ويُسمع الحمد في كل ناحية.
بعث لي أخي بهذه الصورة، من قمة تقع عليها بيتنا، حيث جبلنا يسكن في قلب القبلة، أو قريباً منها. ومنذ نعومتي، كانت توجه نوافذنا نحو الجبل، الذي صار رمزاً للهوية والذاكرة، حيث تقول أمي إن الأجداد كانوا يزرعون قمحاً من نوعٍ خاص في أعاليه، قبل أن يهبطوا ويستوطنوا الأراضي القريبة.
تستحضر هذه الصورة، رائحة الأرض الراوية وملمس الطين الداكن الزلق، وكلها ذكريات من الزمن الجميل، تؤكد أن الماء هو سر حياة الجبل، وازدهاره، وأن حضارته المتجذرة ست