استضاف نادي الرواية الأولى، في لقائه الرابع، الكاتبة صباح عبدالله، ضمن سلسلة اللقاءات الأدبية التي ينظمها النادي لدعم الكُتّاب وتسليط الضوء على أعمالهم. أجرى الحوار الصحفي وعضو النادي محمد العميسي، الذي أدار النقاش بأسلوب متميز، تناول خلاله جوانب متعددة من تجربة الكاتبة الأدبية وأهم سمات روايتها الأولى.
صباح عبدالله كاتبة تتمتع بخيالٍ خلاق، وهي مؤلفة رواية “مدينة الكتب”.
الحوار:
-أهلاً وسهلاً بكِ أستاذة صباح!
-يامرحباً. حياك الله أستاذ محمد.
1-من هي صباح عبدالله في سطور؟
-قارئة شغوفة بالمعرفة والأدب، استطاعت تحويل ذلك الشغف إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع من خلال كتابة الرواية والمقال، والانخراط في العديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
2-ما اللحظة التي شعرتِ فيها بأن فكرة “مدينة الكتب” تستحق أن تتحول إلى رواية؟ وهل هناك تجربة شخصية ألهمتكِ؟
-تلك اللحظة لم تكن عن “مدينة الكتب” بل كانت عند قرار التجرؤ على عالم الأدب، ووضع نية صادقة لكتابة رواية، وهو أمر عظيم بالنسبة لقارئة ترى في الأدباء قامات شاهقة، وأبراجاً عالية تحتاج الكثير من السلالم وربما الطيران. لم أكن أملك تلك السلالم العالية، لكني كنت أعي جيداً أن لدي أجنحة قوية تبدو حالمة لكنها واقعية وحقيقية.
3-كيف أثرت علاقتكِ بالكتب على عالم الرواية وشخصياتها؟
-القراءة المستفيضة بشكل عام تؤثر وتُبني تصوراً واسعاً لكيفية بناء عالم الرواية؛ لكن القراءة المتلصصة على تقنيات الكتابة ومحاولة معرفة طريقة كل كاتب أيضاً من الأمور المساعدة. لجأت إلى ورش العمل والدورات التدريبية التي يقدمها روائيون نجحت أعمالهم جماهيرياً ونقدياً، وذلك لاختصار الطريق وأخذ العدة والأدوات مباشرة من المبدع ذاته. تمكنت من توليف خلطة تعليمية خاصة من كل ما سبق، ساهمت في نمو بذرة الموهبة وتطويرها.
4-هل هناك شخصية في الرواية تعكس جزءاً من شخصيتك أو تجاربك؟
-بلا شك. أغلب الأعمال الأولى لمعظم الكُتّاب تكون مستقاة من حياتهم الشخصية وتتمحور بشكل أو بآخر حول واقعهم. مع الوقت يتجاوز الكاتب هذه المرحلة، ويشتد عود بناءه السردي، ليكتشف أسلوبه الفريد في الكتابة، ويبدأ بخلق عوالم متخيلة بالكامل من خارج حياته الواقعية، وهي مرحلة متقدمة واحترافية في الرحلة الكتابية، أتمنى أن أصل إليها بإذن الله.
5-إذا كان بإمكانك أن تعيشي يوماً كاملاً كشخصية من شخصيات الرواية، من ستختارين، ولماذا؟
-جزء من كتابة العمل هو تقمص كل شخصية لأيام وربما أشهر وليس يوماً واحداً فقط، والعيش بكامل تفاصيلها لاستنطاق تجربتها على مختلف الأصعدة النفسية والفكرية والعاطفية. لذا يمكن القول إنني عشت كل الشخصيات وأحببتهم جميعاً بلا استثناء.
6-كيف استطعتِ خلق التوازن بين الواقعية والخيال في بناء “مدينة الكتب”؟ وهل واجهتِ صعوبة في جعل القارئ يصدق هذا العالم؟
-في كتابة الفانتازيا يمكن تشبيه الأمر بمعادلة رياضية تعرف مسبقاً أن هناك أكثر من طريقة للوصول إلى الحل الصحيح. لأنك تكتب بسحر الخيال مستنداً إلى الواقع بكل تفاصيله. ولكي تكون مقنعاً للقارئ، عليك احترامه في المقام الأول، وأن تضع نفسك مكانه طوال الوقت، وأن تجيب بمنطقية على تساؤلاته الكثيرة في كل حدث أو تفصيلة تكتبها.
7-كيف اخترتِ الأسلوب السردي للرواية؟ وهل تعمدتِ استخدام لغة معينة تناسب أجواء الرواية؟
-في البداية كان صوت الراوي العليم هو المرشح الأول، لكن بعد ثلاث مسودات تقريباً، وجدت أن صوت ضمير المتكلم لأحد الشخصيات أكثر منطقية وواقعية لسرد الأحداث. هذا الاختيار تناسب مع محدودية تلك الكائنات الورقية التي كانت شاهدة على كل ما جرى دون أن تملك صوتاً بشرياً يحكي الحقيقة، وهنا جاء دور العجائبية السحرية في استنطاقها بصوت مكتوب ومسموع للعالم.
8-هل هناك تحديات واجهتكِ في الحفاظ على تماسك اللغة والأسلوب طوال الرواية؟
-معظم التحديات كانت في خلق حبكة وبنية سردية مقنعة، ونحت شخصيات عميقة بعيدة عن التسطيح. أما اللغة فقد جاءت في المراحل ما قبل الأخيرة للعمل، لأنها تمثل الديكور النهائي لبناء تحاول ككاتب أن يكون قوياً وراسخاً. هي مرحلة الزخرفة اللفظية التي يظهر فيها أسلوب الكاتب وثراؤه اللغوي.
9-ما الرسالة التي تأملين أن تصل إلى القارئ من خلال “مدينة الكتب”؟ وهل تلقيتِ ردود فعل غير متوقعة من القراء؟
-قد تكون فكرة الرسالة في الأعمال الفنية بشكل عام أمراً مهماً للبعض؛ لكن بالنسبة لي فهو غير مقبول، لأن فكرة فرض أو دس رسالة داخل العمل كأنه ممارسة لدور الأستاذية أو العظية على القارئ الذي لا أنظر إليه بهذه الهرمية إطلاقاً. ولا انظر للأعمال الفنية لاسيما الروائية على حتمية حملها لرسالة أو أيدلوجيا معينة. بل هي مساحة حرة للمتلقى سواء كان قارئاً أو مشاهداً أومستمعاً أن يكون شريكاً في التأويل والنقد والشرح والسؤال والرد وإعطاءه الحق في الاختلاف والاتفاق وتحريره من فكرة الصواب والخطأ، وهذا ما تلقيته ولله الحمد من الجمهور.. الآراء والتأويلات الغير متوقعة، وهو أمر أسعد به وأفتخر كثيراً.
10-هل تخططين لكتابة جزء ثانٍ من “مدينة الكتب”، أم أن الرواية مكتفية بذاتها؟
-هذا توقع من القراء الأعزاء أسعدني كثيراً. سأعمل عليه بكل تأكيد.
11-ما النصيحة التي تقدمينها للكتّاب الجدد الذين يخططون لكتابة روايتهم الأولى؟
-كتابة رواية واحدة لايعطيني كامل الحق في تصدير نصائح لزملائي الكتاب؛ لكن للإجابة على سؤالك أستاذ محمد انقل تجربتي الخاصة بالقول أن على الكاتب معرفة نقاط ضعفه وقوته في فن السرد والبدء بتطوير مهاراته بالطريقة التي تناسبه شخصياً، يمكن أن يسمع من الجميع لكن في النهاية عليه أن يجد صوته الخاص وطريقته الفريدة في كتابة أراءه القادم بإذن الله.
12-كيف ترين دور الأدب في تشكيل وعي المجتمعات، خاصة في عصر التكنولوجيا؟
-الأدب هو فرع من فروع الفن، ودور الفنون يخضع لمدارس عديدة منهم من يرى بأهمية حمل رسالة ما لإيصالها للمتلقي، أما أنا فمن أنصار المدارس الأخرى التي تفضل طرح القضايا بكل معضلاتها وتترك للمشاهد أو للقارئ حرية الرأي وتشكيل وعيه الخاص. كما كان يفعل الكبير نجيب محفوظ في معظم أعماله يستحضرني منها رواية اللص والكلاب التي تحولت إلى فلم سينمائي، حيث جعلنا نقع في حيرة لذيذة، هل نقف مع صوت القانون الذي يدين السارق أم نتعاطف مع صوت الإنسانية الذي يشرح لنا دوافع اللص الأكثر قسوة وظلماً من السرقة نفسها، وفي عصر التكنولوجيا باتت هذه المهارة حاجة مهمة وليست مجرد رفاهية، حيث تستحيل فكرة حراسة الفضيلة أمام هذا الإنجاز المعلوماتي الكبير لا عن طريق ممارسة التفكير الناقد للمتلقي وهو مايشكل وعياً قائمة على قناعة داخلية غير مؤدلجة.
13-كيف تقيّمين مبادرة نادي الرواية الأولى لتسليط الضوء على الكتّاب ودعم رواياتهم الأولى؟
-فكرة مميزة ورائعة، أتمنى للقائمين عليها التوفيق والسداد.
ختاماً: سعدت بمحاورتك في نادي الرواية الأولى أستاذة صباح، وأتمنى لكِ المزيد من الأعمال الأدبية والتوفيق والسداد.
شكراً جزيلاً لكِ.