فجوة

26 مارس 2025آخر تحديث :
فجوة

الكاتب: نايف مهدي.

 

ظل يردد كلمات تلك المرأة البسيطة غير المتعلمة، التي كانت تقول في فخر وهي تعدل النظارة التي لبستها في خريف العمر اضطرارًا: الحمد لله منذ خمسين سنة لم تفتني صلاة واحدة قط. ود أن لو يفقد كل هذه السعة من الثقافة والمعرفة المتقدمة في سبيل أن يكون بإيمان تلك القروية البسيطة. إنَّ قلبه غارٌ موحش يعوي بداخله الشك، الشك في كل شيء. حتى إنه يشك في أصابعه التي تنبت في راحته، ويشك في حقيقة وجود وجهه غير الحليق الذي يطالعه في المرآة ببلاهة كل صباح.

 

‏اعتاد كلما هاجمتْ كلماتُها شريطَ مخيلته أن يذرع حجرة كتبه الضيقة وكأنه يقطع أرضًا جرداء لا نهاية لها، بينما يُعدّل نظارته التي وسمت محجريه، والتي لبسها في أواخر عشرينياته اضطرارًا من فرط ساعات القراءات الطويلة التي ألهبت عينيه، وتركته شابًا متوقد الذهن لكنه حسير البصر، يضيق عينيه بشدة كلما أراد أن يرى شيئًا يبعد عن مستوى ذراعه المرفوعة. كان كلما حاصرته ملامح تلك الساذجة المطمئنة وهي تلوي أنفها الصغير وتغمض عينيها بارتياح- وكأنها ترى الله في قرارة نفسها- وهي واثقة بكل حرف مما تقوله، كان يضرب صدغه بجمع يده ويهمس في حيرة وهو يكز على أسنانه المصفرّة بفعل القهوة ويردد: إن أحدنا لمجنون، إن أحدنا لمجنون!

‏﮼

الاخبار العاجلة