المهرجانات الشعبية في تهامة: تجديد للروح وتعزيز للهوية

7 فبراير 2025آخر تحديث :
المهرجانات الشعبية في تهامة: تجديد للروح وتعزيز للهوية

تحتضن منطقة تهامة العديد من المهرجانات الشعبية التي تعكس التراث الثقافي والموروث الشعبي الغني للمنطقة، حيث تمتزج فيها الفنون الشعبية، والأهازيج التراثية والعروض الفلكلورية والمنتجات الزراعية المحلية، لتشكل لوحة نابضة بالحياة والهوية التهامية الأصيلة. فهي ليست مجرد تجمعات احتفالية، بل هي مناسبات تعزز الروابط الاجتماعية والهوية الثقافية، وتسلط الضوء على تاريخ المنطقة وإرثها الغني.

تضيف هذه المهرجانات التراثية الشعبية، التي تشهدها عدد من مناطق تهامة من كل عام، كمهرجان القطيع بالمراوعة والدريهمي والجاح والحسينية وبن غازل في بن عباس المنيرة والسخنة ، طابعًا فرائحيًا مبهجًا على تلك المناطق التي يتجلا أهلها حريصون على  الاحتفاء بتراثهم وإظهار ما تيميزت به تلك المناطق من إرث تأريخي وثقافي.

هذه المهرجانات بما يُقدم فيها من ألعاب شعبية وعروض فنية مختلفة ومنتجات زراعية تثبت أنها شاهدًا حيًا على الثراء الذي يمتاز به الموروث الثقافي التهامي، المتنوع بتنوع تضاريس البلد، والذي يظل على الدوام مصدرًا مهمًا للإلهام والاعتزاز وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز وأشهر تلك المهرجانات.

بدأ بمهرجان القطيع حيث أكد رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان القطيع للتراث والموروث الشعبي التهامي، الأستاذ خالد محيي الدين، أن المهرجان الذي يُقام سنويًا في مدينة القطيع بمديرية المراوعة بمحافظة الحديدة، يعتبر واحدًا من أهم الفعاليات التي تسلط الضوء على التراث الشعبي التهامي، الذي طالما تعرض للإقصاء والتهميش في كتب التاريخ وأبحاث الموروث الشعبي.

وفي تصريح خاص لـ ” اليمن الزراعية”، أوضح محيي الدين أن المهرجان، الذي يُقام خلال أيام 11 و12 و13 من شهر ذي الحجة، متزامنًا مع احتفالات عيد الأضحى المبارك، يُعتبر منصة لإبراز الفنون والتقاليد الشعبية التهامية، فضلًا عن كونه فرصة للتفاعل الثقافي ومعالجة قضايا محلية واجتماعية من خلال بيئة تراثية مميزة.

أهمية مهرجان القطيع

وأشار محيي الدين إلى أن مهرجان القطيع لا يقتصر على كونه فعالية احتفالية، بل يمتد إلى تصوير الحكايات القديمة التي تجسد تاريخ مدينة القطيع العريق، وإبراز الفنون الشعبية التي تحمل في طياتها هوية وثقافة المنطقة. وأوضح أن المهرجان يتيح فرصة استثنائية لتلاقح التجارب الشعبية من خلال مشاركة فرق فنية من داخل المنطقة وخارجها، ما يعزز من الحوار الثقافي، ويشجع الإبداعات الشبابية في مختلف المجالات الفنية والتقليدية.

فعاليات مهرجان القطيع

وحول الأنشطة التي يتضمنها المهرجان، أوضح محيي الدين أن الفعاليات تتنوع بين عروض تراثية، ورقصات شعبية، وليالٍ إنشادية، ورياضات تقليدية، وعروض فلكلورية. وبيّن أن هذه الأنشطة تعكس الزخم الثقافي والتراثي الذي تمتاز به المنطقة، وتُقدَّم بأسلوب يستهوي الزوار من مختلف الشرائح والفئات.

. الرقصات التقليدية الحربية

يقول محيي الدين “تُعد الرقصات التقليدية إحدى أبرز فعاليات المهرجان، وعلى رأسها رقصة العُبدي، التي تحاكي انتصارات مدينة القطيع العسكرية منذ أواخر القرن العاشر الهجري”،. وأضاف: “رقصة العبدي، على وجه التحديد، تعبّر عن مشهد حيّ من تاريخ المدينة، حيث يؤديها الرجال حاملين العصي، في عروض مذهلة مصحوبة بأشعار وأهازيج وطبول. كما تشمل الرقصة مشاهد تضامن وصراع رمزي، يعكس روح الانتصار والتحدي.”

 ليالٍ إنشادية

أوضح محيي الدين”في مساء اليوم الأول من المهرجان، تُقام أمسية خطابية وإنشادية تُبرز الفنون الصوفية التهامية، التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمنطقة”،. وتستمر الأمسية حتى منتصف الليل، حيث يتم تقديم الأناشيد والأهازيج ذات الطابع الروحي والثقافي.

. سباق القفز على الجمال ورياضة الفروسية

وأشار محيي الدين إلى أن القفز على الجمال وسباق الفروسية يُعدان من الرياضات التقليدية التي تحظى بشعبية واسعة في تهامة وهي أبرز فعاليات المهرجان. وأكد أن هذه الفعاليات لا تجذب الزوار فحسب، بل تعكس أيضًا جانبًا مهمًا من التراث التهامي الذي يربط الماضي بالحاضر، ويثير الحماس لدى الشباب.

. عروض الفلكلور الشعبي

أما في اليوم الأخير من المهرجان، فتُقام عروض الفلكلور الشعبي، التي تشمل حكايات وأساطير وقصصًا تمثيلية تُبرز التراث الزراعي والثقافي لمدينة القطيع. وأوضح محيي الدين أن هذه العروض، التي تُقدم من خلال لوحات فنية واستعراضات حية، تُجسد تاريخ المدينة الثقافي والزراعي وتبرز إبداعات المجتمع المحلي في الحفاظ على هذا الإرث.

واختتم محيي الدين تصريحه بالقول إن مهرجان القطيع يُعتبر أكثر من مجرد احتفاء بالموروث الشعبي، بل هو جسر للتواصل بين الأجيال، ومظلة لتوحيد الجهود من أجل الحفاظ على التراث التهامي . كما شدد على أن المهرجان يسعى إلى تقديم رسالة واضحة عن غنى الثقافة التهامية وعمقها التاريخي، معربًا عن أمله في أن يصبح المهرجان حدثًا ثقافيًا بارزًا على مستوى اليمن والمنطقة.

مهرجانات بيت الفقية 

احتلال الموروث الشعبي صدارة فعاليات المهرجانات التراثية لا يقتصر على مهرجان القطيع في تهامة فقط، إذ يمكن ملاحظة ذلك جليًا في مهرجانات بيت الفقيه، التي من المديرية  التي تحتل أهمية بالغة من بين مديريات محافظة الحديدة لكونها ارتبطت بأحداث تاريخية نضالية ما يزال أبناء هذا المنطقة يستذكرونها ويجسدونها في كرنفالات فنية ورياضية كما هو الحال مع مهرجان الجاح الذي ارتبط بموسم حصاد التمور. ، الذي تميز من حيث التنظيم واختيار المكان المعبر عن هوية الحدث، إذ تكفي إطلالة مزارع النخيل التي تحيط بالمكان من كل الجهات، لتخبرك أن هذا الجمال الطبيعي قد لا تراه إلا في منطقة الجاح إلى جانب مهرجان الحسينية. وفي المهرجانيين تتم ألعاب متعددة ومختلفة ومتنوعة وفريدة

مهرجان الجاح: تراث متجدد

مدير الإعلام والثقافة بالمدير عبدالله بازي. أكد أن “ منطقة الجاح بما تمثله من خصوصية زراعية، وبما تحتوي من مزارع واسعة لمحاصيل النخيل المختلفة ، تجعلها تتحول إلى معرض متكامل لعرض الموروث الشعبي التي تزخر به المنطقة، بداءاً من الرقصات الشعبية التي تتميز بها منطقة بيت الفقية كالحقفة والبرش والشنبي   وصولاً إلى إستعراض لمختلف أصناف التمور التي تنتجها المنطقة. في مهرجان خاص يقام في شهر أغسطس من كل عام

مهرجان الحسينية: لوحة فنية وثقافية متكاملة

وأضاف بازي إلى جانب مهرجان الجاح يقام أيضاً في منطقة الحسينية ، وهو مهرجان يتم فيه بعض الألعاب الرياضية ذات الصلة التاريخية مثل سباق الهجن والقفز على الجمال وسباق الخيول والرقصات الشعبية، ويعود تاريخ مهرجان الحسينية للفروسية إلى ثمانينيات القرن المنصرم .. وقد إشتهرت به مدينة الحسينية حيث إطلق عليه  (مهرجان الحسينية للفروسية والهجن والألعاب والموروث الشعبي)،

مشيراً أن المهرجان يحضى بمشاركة فرسان وجمالة من مختلف المناطق وعلى وجه الخصوص أبناء الزرانيق.يتم تدريبهم وإعدادهم قبل حلول المهرجان. مضيفاً أن المهرجان يقام في مذمار خاص بالسباق ويستوعب قرابة مائة ألف متفرج. ويحضي بشعبية واسعة في عموم اليمن وتهامة على وجه الخصوص ويقام في الـ27 من فبراير من كل عام ويستمر من الصباح حتى الظهر.

مهرجان التمور في الدريهمي: احتفال بكنز النخيل

تعد مديرية الدريهمي من أكثر المناطق التهامية شهرة بزراعة النخيل وإنتاج التمور. ومن هنا يأتي مهرجان التمور السنوي الذي يحتفي بمنتجات النخيل، ويعد تجمعاً اقتصادياً وثقافياً مهماً. المهرجان يهدف إلى إبراز الدور التاريخي للنخيل في حياة المجتمع التهامي، كونه ليس مجرد مصدر غذائي، بل رمز للخصوبة والعطاء.

وأوضح رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان مدير عام المديرة عبدالله موساي أن مهرجان الدريهمي تم إقامته من عامين تحت إشراف جمعية الدريهمي الزراعية والذي يأتي تزامناً مع إنتهاء موسم التمور في تهامة ويتم فيه فعاليات متنوعة كالرقصات الشعبية وسباق الهجن والفروسية إلى جانب إستعراض العديد من أصناف التمور التي تنتجها المديرية وكذا عرض منتجات التمور المصنوعة كالدبس والتمور المغلفة.

وأضاف موساي تأتي أهمية المهرجان في كونه يُعنى بإبراز الجانب الذي تزخر به مديرية الدريهمي وهو زراعة محاصيل النخيل المختلفة على مساحات واسعة وإبراز الجوانب التراثية المرتبطة بزراعة النخيل.

مهرجان بن غازل الساحلي: احتفاء بالتراث البحري

في المناطق الساحلية مثل بن عباس ، يُقام مهرجان شعبي يسلط الضوء على التراث البحري والثقافة البحرية لسكان تهامة. والذي يقام في الـ١١ من شهر رجب من كل عام.هذا المهرجان يجمع بين الصيادين وأفراد المجتمع للاحتفال بموروثهم البحري، حيث يمثل البحر جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية وثقافتهم.

وبين رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان طاهر خاطر أن المهرجان يصاحبه فعاليات متنوعة منها.

– أهازيج بحرية يرددها الصيادون، تعبر عن ارتباطهم بالبحر وحبهم له.

– عروض لأدوات الصيد التقليدية التي كانت تُستخدم قديماً في المنطقة.

– فقرات شعرية وتوعوية حول أهمية الحفاظ على البيئة البحرية والتراث.

-فقرات فنية وإنشادية

_رقصات شعبية متنوعة

مهرجانات تهامة تمسك بالهوية

، يؤكد الباحث المهتم بالتراث التهامي، عبدالله حسن الأهدل، في حديث لـ”اليمن الزراعية”، أن “مبادرة المجتمع التهامي إلى إقامة المهرجانات التراثية وتبني المناسبات ذات العلاقة بالموروث الثقافي والحضاري للبلد، له ما يفسره، إذ إنه في حالة الحروب تتجه  المجتمعات دومًا للتمسك بهويتها الثقافية وتكريسها في أنماط حياتها المختلفة لمعالجة الآثار النفسية والاجتماعية للحروب”.

ويستدرك الأهدل: “قبل اندلاع الحرب العداونية على اليمن، كانت علاقة المجتمع التهامي مع موروثه الشعبي قوية ومستمرة بالرغم من كل التغيرات السياسية والديموغرافية ، بل يكاد يكون المجتمع التهامي من أكثر المجتمعات اليمنية حفاظًا على تراثه الشعبي، وما يحدث من مهرجانات موسمية ليست إحياءً للتراث بقدر ما تندرج تحت صونه والتعريف به، لأن التراث التهامي يحيا مع الإنسان التهامي، ويبرز في جميع تفاصيل حياته”.

يتفق القائمون على المهرجانات التراثية و الباحثين والمهتمين بالتراث التهامي ، أن في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، تمثل هذه المهرجانات فرصة لإعادة إحياء العادات والتقاليد وتعزيز الانتماء الثقافي. وتبقى الحاجة ماسة إلى دعم هذه الفعاليات من قبل الجهات الحكومية لضمان استمراريتها وتطويرها، لتظل شاهداً على غنى التراث التهامي وأصالته، في حين يعد مجرد إقامتها بهذا الشكل الباذخ بالجمال والأصالة، انتصارًا حقيقيًا يسجله أبناء تهامة على حساب ما تمر به البلاد من عدوان أمريكي وبريطاني .

 

المصدر: الإعلام الزراعي والسمكي

الاخبار العاجلة